سورة المعارج - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المعارج)


        


{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)}
اعلم أن قوله تعالى: {سَأَلَ} فيه قراءتان منهم من قرأه بالهمزة، ومنهم من قرأه بغير همزة، أما الأولون وهم الجمهور فهذه القراءة تحتمل وجوهاً من التفسير: الأول: أن النضر بن الحرث لما قال: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] فأنزل الله تعالى هذه الآية ومعنى قوله: {سَأَلَ سَائِلٌ} أي دعا داع بعذاب واقع من قولك دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه، ومنه قوله تعالى: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فاكهة ءامِنِينَ} [الدخان: 55] قال ابن الأنباري: وعلى هذا القول تقدير الباء الإسقاط، وتأويل الآية: سأل سائل عذاباً واقعاً، فأكد بالباء كقوله تعالى: {وَهُزّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة} [مريم: 25] وقال صاحب الكشاف لما كان {سَأَلَ} معناه هاهنا دعا لا جرم عدى تعديته كأنه قال دعا داع بعذاب من الله الثاني: قال الحسن وقتادة لما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وخوف المشركين بالعذاب قال المشركون: بعضهم لبعض سلوا محمداً لمن هذا العذاب وبمن يقع فأخبره الله عنه بقوله: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} قال ابن الأنباري: والتأويل على هذا القول: سأل سائل عن عذاب والباء بمعنى عن، كقوله:
فإن تسألوني بالنساء فإنني *** بصير بأدواء النساء طبيب
وقال تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} [الفرقان: 59] وقال صاحب الكشاف: {سَأَلَ} على هذا الوجه في تقدير عنى واهتم كأنه قيل: اهتم مهتم بعذاب واقع الثالث: قال بعضهم: هذا السائل هو رسول الله استعجل بعذاب الكافرين، فبين الله أن هذا العذاب واقع بهم، فلا دافع له قالوا: والذي يدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى في آخر الآية: {فاصبر صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج: 5] وهذا يدل على أن ذلك السائل هو الذي أمره بالصبر الجميل، أما القراءة الثانية وهي (سال) بغير همز فلها وجهان:
أحدهما: أنه أراد {سَأَلَ} بالهمزة فخفف وقلب قال:
سألت قريش رسول الله فاحشة *** ضلت هذيل بما سالت ولم تصب
والوجه الثاني: أن يكون ذلك من السيلان ويؤيده قراءة ابن عباس سال سيل والسيل مصدر في معنى السائل، كالغور بمعنى الغائر، والمعنى اندفع عليهم واد بعذاب، وهذا قول زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن زيد قالا: سال واد من أودية جهنم بعذاب واقع.
أما {سَائِلٌ}، فقد اتفقوا على أنه لا يجوز فيه غير الهمز لأنه إن كان من سأل المهموز فهو بالهمز، وإن لم يكن من المهموز كان بالهمز أيضاً نحو قائل وخائف إلا أنك إن شئت خففت الهمزة فجعلتها بين بين، وقوله تعالى: {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ للكافرين} فيه وجهان، وذلك لأنا إن فسرنا قوله: {سَأَلَ} بما ذكرنا من أن النضر طلب العذاب، كان المعنى أنه طلب طالب عذاباً هو واقع لا محالة سواء طلب أو لم يطلب، وذلك لأن ذلك العذاب نازل للكافرين في الآخرة واقع بهم لا يدفعه عنهم أحد، وقد وقع بالنضر في الدنيا لأنه قتل يوم بدر، وهو المراد من قوله: {لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} وأما إذا فسرناه بالوجه الثاني وهو أنهم سألوا الرسول عليه السلام، أن هذا العذاب بمن ينزل فأجاب الله تعالى عنه بأنه واقع للكافرين، والقول الأول وهو السديد، وقوله: {مِنَ الله} فيه وجهان الأول: أن يكون تقدير الآية بعذاب واقع من الله للكافرين الثاني: أن يكون التقدير ليس له دافع من الله، أي ليس لذلك العذاب الصادر من الله دافع من جهته، فإنه إذا أوجبت الحكمة وقوعه امتنع أن لا يفعله الله وقوله: {ذِي المعارج} المعارج جمع معرج وهو المصعد، ومنه قوله تعالى: {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] والمفسرون ذكروا فيه وجوهاً أحدها: قال ابن عباس في رواية الكلبي: {ذِي المعارج}، أي ذي السموات، وسماها معارج لأن الملائكة يعرجون فيها.
وثانيها: قال قتادة: ذي الفواضل والنعم وذلك لأن لأياديه ووجوه إنعامه مراتب، وهي تصل إلى الناس على مراتب مختلفة.
وثالثها: أن المعارج هي الدرجات التي يعطيها أولياءه في الجنة، وعندي فيه وجه رابع: وهو أن هذه السموات كما أنها متفاوتة في الارتفاع والانخفاض والكبر والصغر، فكذا الأرواح الملكية مختلفة في القوة والضعف والكمال والنقص وكثرة المعارف الإلهية وقوتها وشدة القوة على تدبير هذا العالم وضعف تلك القوة، ولعل نور إنعام الله وأثر فيض رحمته لا يصل إلى هذا العالم إلا بواسطة تلك الأرواح، إما على سبيل العادة أولا كذلك على ما قال: {فالمقسمات أَمْراً} [الذاريات: 4]، {فالمدبرات أَمْراً} [النازعات: 5] فالمراد بقوله: {مِّنَ الله ذِي المعارج} الإشارة إلى تلك الأرواح. المختلفة التي هي كالمصاعد لارتفاع مراتب الحاجات من هذا العالم إليها وكالمنازل لنزول أثر الرحمة من ذلك العالم إلى ما هاهنا.


{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)}
وههنا مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن عادة الله تعالى في القرآن أنه متى ذكر الملائكة في معرض التهويل والتخويف أفرد الروح بعدهم بالذكر، كما في هذه الآية، وكما في قوله: {يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً} [النبأ: 38] وهذا يقتضي أن الروح أعظم (من) الملائكة قدراً، ثم هاهنا دقيقة وهي أنه تعالى ذكر عند العروج الملائكة أولاً والروح ثانياً، كما في هذه الآية، وذكر عند القيام الروح أولاً والملائكة ثانياً، كما في قوله: {يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً} وهذا يقتضي كون الروح أولاً في درجة النزول وآخراً في درجة الصعود، وعند هذا قال بعض المكاشفين: إن الروح نور عظيم هو أقرب الأنوار إلى جلال الله، ومنه تتشعب أرواح سائر الملائكة والبشر في آخر درجات منازل الأرواح، وبين الطرفين معارج مراتب الأرواح الملكية ومدارج منازل الأنوار القدسية، ولا يعلم كميتها إلا الله، وأما ظاهر قول المتكلمين وهو أن الروح هو جبريل عليه السلام فقد قررنا هذه المسألة في تفسير قوله: {يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً} [النبأ: 38].
المسألة الثانية: احتج القائلون بأن الله في مكان، إما في العرش أو فوقه بهذه الآية من وجهين:
الأول: أن الآية دلت على أن الله تعالى موصوف بأنه ذو المعارج وهو إنما يكون كذلك لو كان في جهة فوق والثاني: قوله: {تَعْرُجُ الملئكة والروح إِلَيْهِ} فبين أن عروج الملائكة وصعودهم إليه، وذلك يقتضي كونه تعالى في جهة فوق والجواب: لما دلت الدلائل على امتناع كونه في المكان والجهة ثبت أنه لابد من التأويل، فأما وصف الله بأنه ذو المعارج فقد ذكرنا الوجوه فيه، وأما حرف (إلى) في قوله: {تَعْرُجُ الملئكة والروح إِلَيْهِ} فليس المراد منه المكان بل المراد انتهاء الأمور إلى مراده كقوله: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كُلُّهُ} [هود: 123] المراد الانتهاء إلى موضع العز والكرامة كقوله: {إِنّى ذَاهِبٌ إلى رَبّى} [الصافات: 99] ويكون هذا إشارة إلى أن دار الثواب أعلى الأمكنة وأرفعها.
المسألة الثالثة: الأكثرون على أن قوله: {فِى يَوْمٍ} من صلة قوله: {تَعْرُجُ}، أي يحصل العروج في مثل هذا اليوم، وقال مقاتل: بل هذا من صلة قوله: {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1] وعلى هذا القول يكون في الآية تقديم وتأخير والتقدير: سأل سائل بعذاب واقع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وعلى التقدير الأول، فذلك اليوم، إما أن يكون في الآخرة أو في الدنيا، وعلى تقدير أن يكون في الآخرة، فذلك الطول إما أن يكون واقعاً، وإما أن يكون مقدراً فهذه هي الوجوه التي تحملها هذه الآية، ونحن نذكر تفصيلها القول الأول: هو أن معنى الآية أن ذلك العروج يقع في يوم من أيام الآخرة طوله خمسون ألف سنة، وهو يوم القيامة، وهذا قول الحسن: قال وليس يعني أن مقدار طوله هذا فقط، إذ لو كان كذلك لحصلت له غاية ولفنيت الجنة والنار عند تلك الغاية وهذا غير جائز، بل المراد أن موقفهم للحساب حتى يفصل بين الناس خمسون ألف سنة من سني الدنيا.
ثم بعد ذلك يستقر أهل النار في دركات النيران نعوذ بالله منها.
واعلم أن هذا الطول إنما يكون في حق الكافر، أما في حق المؤمن فلا، والدليل عليه الآية والخبر، أما الآية فقوله تعالى: {أصحاب الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} [الفرقان: 24] واتفقوا على (أن) ذلك (المقيل والمستقر) هو الجنة وأما الخبر فما روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما طول هذا اليوم؟ فقال: والذي نفسي بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا ومن الناس من قال: إن ذلك الموقف وإن طال فهو يكون سبباً لمزيد السرور والراحة لأهل الجنة، ويكون سبباً لمزيد الحزن والغم لأهل النار الجواب: عنه أن الآخرة دار جزاء فلابد من أن يعجل للمثابين ثوابهم، ودار الثواب هي الجنة لا الموقف، فإذن لابد من تخصيص طول الموقف بالكفار القول الثاني: هو أن هذه المدة واقعة في الآخرة، لكن على سبيل التقدير لا على سبيل التحقق، والمعنى أنه لو اشتغل بذلك القضاء والحكومة أعقل الخلق وأذكاهم لبقي فيه خمسين ألف سنة ثم إنه تعالى يتمم ذلك القضاء والحكومة في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، وأيضاً الملائكة يعرجون إلى مواضع لو أراد واحد من أهل الدنيا أن يصعد إليها لبقي في ذلك الصعود خمسين ألف سنة ثم إنهم يصعدون إليها في ساعة قليلة، وهذا قول وهب وجماعة من المفسرين القول الثالث: وهو قول أبي مسلم: إن هذا اليوم هو يوم الدنيا كلها من أول ما خلق الله إلى آخر الفناء، فبين تعالى أنه لابد في يوم الدنيا من عروج الملائكة ونزولهم، وهذا اليوم مقدر بخمسين ألف سنة، ثم لا يلزم على هذا أن يصير وقت القيامة معلوماً، لأنا لا ندري كم مضى وكم بقي القول الرابع: تقدير الآية: سأل سائل بعذاب واقع من الله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يحتمل أن يكون المراد منه استطالة ذلك اليوم لشدته على الكفار، ويحتمل أن يكون المراد تقدير مدته، وعلى هذا فليس المراد تقدير العذاب بهذا المقدار، بل المراد التنبيه على طول مدة العذاب، ويحتمل أيضاً أن العذاب الذي سأله ذلك السائل يكون مقدراً بهذه المدة، ثم إنه تعالى ينقله إلى نوع آخر من العذاب بعد ذلك، فإن قيل: روى ابن أبي مليكة أن ابن عباس سئل عن هذه الآية، وعن قوله: {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة: 5] فقال: أيام سماها الله تعالى هو أعلم بها كيف تكون، وأكره أن أقول فيها مالا أعلم، فإن قيل: فما قولكم في التوفيق بين هاتين الآيتين؟ قلنا: قال وهب في الجواب عن هذا ما بين أسفل العالم إلى أعلى شرفات العرش مسيرة خمسين ألف سنة ومن أعلى السماء الدنيا إلى الأرض مسيرة ألف سنة، لأن عرض كل سماء مسيرة خمسمائة سنة، وما بين أسفل السماء إلى قرار الأرض خمسمائة أخرى، فقوله تعالى: {فِى يَوْمٍ} يريد من أيام الدنيا وهو مقدار ألف سنة لو صعدوا فيه إلى سماء الدنيا، ومقدار ألف سنة لو صعدوا إلى أعالي العرش.


{فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)}
فيه مسألتان:
المسألة الأولى: اعلم أن هذا متعلق بسأل سائل، لأن استعجال النضر بالعذاب إنما كان على وجه الاستهزاء برسول الله والتكذيب بالوحي، وكان ذلك مما يضجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالصبر عليه، وكذلك من يسأل عن العذاب لمن هو فإنما يسأل على طريق التعنت من كفار مكة، ومن قرأ: {سَأَلَ سَائِلٌ} فمعناه جاء العذاب لقرب وقوعه فاصبر فقد جاء وقت الانتقام.
المسألة الثانية: قال الكلبي: هذه الآية نزلت قبل أن يؤمر الرسول بالقتال.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8